فهم الأمومة: تأملات في العواطف والروحانية في الأدب

شيماء الصاعدي
3 دقيقة للقراءة

الأمُّ قنديلُ حبٍّ لا ينطفئ

عطاء الأم لا ينضب أبدًا، فهي مثل النحلة التي تجمع الحب من جميع أزهار الحياة، وتُحوّله إلى عسلٍ صافٍ تسقي به أبناءها وهي في قمة سعادتها؛ لأنّها اعتادت على العطاء دون حساب، ودون أن تنتظر مقابلًا من أحد، فهي تسهر على راحة عائلتها، دون أن تُفكر ولو للحظة في عواقب السهر الطويل؛ لأنّ همها الأوحد أن يظلّ أبناؤها بخير، وأن تُظللهم الرعاية والعناية في كلّ وقت.

الأمُّ عطاء متجدد وفضلٌ لا يُنسى

الأم مثالٌ لنبع الماء الصافي الذي لا يتلوث أبدًا ولا تُعكره الأحداث؛ لأنّها لا تُشبه في إحساسها أيّ شخص، فالجميع تجمعهم المصالح المشتركة والمتبادلة، أمّا الأم فهي تُقدّم مصلحتها في سبيل رؤية أبنائها أفضل الناس وحتى أفضل منها، لهذا لا عطاء مثل عطاء الأم، فهي صاحبة الفضل الأكبر على الأبناء.

لهذا كان لها أكبر نصيب من وصايا النبي -عليه الصلاة والسلام- في حث الأبناء على برّها ورعايتها وطاعتها، فعن أبي هريرة، قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»).1

الأم تصنع الأمة

فضل الأم كبيرٌ ليس لأنّها فقط تُعطي بلا حساب أو تعب، بل لأنّها تُشغل تفكيرها وقلبها بأبنائها، ولا ترضى بأن تشبع إلا إذا شبعوا ولا تنام الليل إن لم يناموا قبلها وتطمئن عليهم، وحتى بعد أن يكبروا ويعتمدوا على أنفسهم تظلّ روح الأم معلقة بأبنائها دائمة القلق عليهم من أيّ شرٍ قد يُصيبهم، فإحساسها الصادق يسبقها دائمًا لتعرف ما يحصل معهم حتى قبل أن يُخبروها، قال الشاعر حافظ إبراهيم:2

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها

أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ

الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا

بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ

لذلك، فواجب الأبناء نحوها أن يكونوا قرة عينها، وأن يتسابقوا جميعًا على مساعدتها ونيل رضاها وبرّها، وأن يُدخلوا السرور إلى قلبها قدر الإمكان وألّا يتسببوا في حزنها أبدًا، فالأم سرّ جمال الحياة، بل هي الحياة بأكملها والدعاء الذي لا ينقطع أبدًا، كما أنّ من نعم الله تعالى وفضله أنّ برّ الأم لا يقتصر في حياتها فقط، بل إنّ برّها مستمرٌ حتى بعد وفاتها، وذلك بالدعاء لها، وتقديم الصدقة عنها؛ لتعلو مرتبتها عند خالقها.

برّ الأمّ نقطةُ امتنانٍ في بحر شكرها

في الختام، الأم نهرٌ من الحب لا يجف أبدًا، وسنابل قمحٍ مليئة بالخير الوفير، وبمجرّد رؤية ابتسامتها تنفرج أسارير القلب، وتُحلّق الروح مثل فراشة سعيدة، ومن الصعب أن تجد أحدًا يتحمل كلّ تقلبات مثلما تفعل أمك، ومن المستحيل أن تجد مَن يُسامحك مثلما تُسامحك أمك مهما فعلت، فالأم نور القلب وريحانة العمر وأجمل ما فيه.

المراجع

  1. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5971 .
  2. “كم ذا يكابد عاشق ويلاقي”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/10/2022.
شارك في هذا المقال
أنا شيماء الصاعدي، كاتبة شغوفة بمجال الآداب، حيث أجد في الكلمات وسيلة للتعبير عن أعمق المشاعر والأفكار. حصلت على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة القاهرة، ومنذ ذلك الحين كرست حياتي لدراسة وكتابة النصوص الأدبية التي تحاكي الروح الإنسانية. لدي خبرة تمتد لأكثر من خمس سنوات في كتابة المقالات النقدية والقصص القصيرة التي تنشر في مجلات أدبية مرموقة. أسعى دائمًا لاستكشاف الأبعاد الثقافية والتاريخية في الأدب، وأؤمن بأن الكتابة هي جسر يربط بين الحضارات والأجيال. شغفي يكمن في صياغة النصوص التي تترك أثرًا في قلوب القراء وتدفعهم للتفكير والتأمل.
Leave a Comment