تفسير آية الحج: دور الأذان في توجيه الناس

فراس الأحمد
4 دقيقة للقراءة

التفسير الإجمالي لآية (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا)

إنّ معنى الآية باختصار هو: آمرك يا إبراهيم أن تنادي في الناس بالحج، داعياً لهم أن يقصدوا البيت الحرام الذي سبق لي أن بوّأت لك مكانه، فإن فعلت ذلك فسأضمن أن يصل صوتك، فيلبّون أمري الصادر عن طريقك، ويأتوا راجلين ماشين، وراكبين على كل بعير ضامر مهزول، مِن كل طريق بعيد.1

التفسير التحليلي لآية (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا)

بدأت الآية الكريمة بالأمر الإلهي: (وَأَذِّنْ في الناس)، ويُقصَد بالتأذين: الإجازة، كآذنَ، والتأذين: “الإعلام والدعوة، والمؤذِّن: هو الداعي إلى الله تعالى”.2 وبناء على هذا، فإن الأمر بالتأذين يحتمل معنيين:3

  • الإعلام: أي أعلِمِ الناس أنَّ لله عليهم الحج بالبيت، كقوله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ).4
  • الدعوة: أي ادعُ الناس، ونادِهِم أنْ يحجوا البيت.

وفعل الأمر (أذِّن) يدل على أن فرض الحج على الناس ابتدأ من ذلك الوقت؛ “لأن الله تعالى أمر إبراهيم بدعاء الناس إلى الحج، وأمره كان على الوجوب”،5 والمقصود بقوله تعالى: (بِالْحَجِّ) أي: الأمر بأداء الحج.6 أما المراد من قوله: (يَأْتُوكَ): يأتون الكعبة، لكن “لأن المنادي إبراهيم فمَن أتى الكعبة حاجاً فكأنما أتى إبراهيم؛ لأنه أجاب نداءه، وفيه تشريف إبراهيم”.7

ويريد بقوله (رِجَالًا) يمشون راجلين على أقدامهم لا يركبون أي نوع من المراكب، وليس المقصود جنس الرجال المقابل لجنس النساء؛ بل الراجلين مقابل الراكبين، كما ورد في آية أخرى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا).8

والمراد بـ (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) أي الحيوان الذي يتم ركوبه “مِن فرس وناقة وغير ذلك، وإنما وصفه بالضمور؛ لأنه لا يصِلُ إلى البيت إلا بعد ضموره”،9 وكأنه يوجههم لاستخدام وسيلة ركوب “قليلة اللحم تتحمل مشاق السفر”،10 وسبب تأنيث (يَأْتِينَ) هو أنَّ مِن عادة الناس الحج عن طريق الجماعات والحملات مع الرفاق؛ فنادراً ما يحج الإنسان لوحده قاطعاً المسافات الشاسعة في البادية منفرداً.11

ما ترشد إليه آية (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)

نستفيد من الآية الكريمة أموراً منها:12

  • إن بناء البيت الحرام على يد إبراهيم -عليه السلام- كان بأمر من الله تعالى؛ لإعلان الوحدانية لله سبحانه وتعالى، وتطهير بيته الحرام من مظاهر الكفر والبدع.
  • الإعلام بفريضة الحج، وأن الحج كان مفروضاً منذ زمن إبراهيم عليه السلام، وأنتم خير خلف لملة إبراهيم الحنيفية الخالية من التحريف.
  • نداء إبراهيم بالحج وإسماع صوته إلى الآفاق معجزة؛ فالله قادر على إيصال صوت إبراهيم إلى مَن يشاء في أي مكان.
  • قوله: (يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ) وعدٌ بإجابة الناس إلى حج البيت ما بين راجلٍ وراكبٍ، كما يفيد جواز الحج مشياً أو ركوباً.

المراجع

  1. وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 1640. بتصرّف.
  2. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 4971.
  3. أبو منصور الماتريدي، تأويلات أهل السنة، صفحة 407. بتصرّف.
  4. سورة آل عمران، آية:97
  5. الجصاص الحنفي، أحكام القرآن، صفحة 64.
  6. ناصر الدين البيضاوي، أنوار التنزيل، صفحة 70. بتصرّف.
  7. شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، صفحة 38.
  8. سورة البقرة، آية:239
  9. ابن جزي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل، صفحة 38.
  10. إبراهيم القطان، تيسير التفسير، صفحة 457.
  11. السمين الحلبي، الدر المصون، صفحة 266. بتصرّف.
  12. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 197. بتصرّف.
شارك في هذا المقال
صورة شخصية الكاتب فراس الأحمد - متخصص في تاريخ الفكر الإسلامي
بواسطة فراس الأحمد
أنا فراس الأحمد، كاتب وباحث شغوف بدراسة الإسلام وتاريخه العريق. حصلت على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة الأزهر، حيث ركزت على تاريخ الفكر الإسلامي وتأثيره على الحضارات. لدي خبرة تمتد لأكثر من عشر سنوات في الكتابة والبحث، حيث نشرت العديد من المقالات والكتب التي تناقش القضايا المعاصرة من منظور إسلامي. شغفي يكمن في توضيح الجوانب التاريخية والفكرية للإسلام، وأسعى دائمًا لتقديم محتوى يجمع بين الأصالة والمعاصرة. أهدف من خلال كتاباتي إلى بناء جسور من التفاهم بين الثقافات المختلفة، وإبراز جمال وقيم الإسلام في حياتنا اليومية.
Leave a Comment