قصيدة البردة للإمام البوصيري
محمد بن سعيد البوصيري من أشهر الشعراء في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وله العديد من القصائد والأشعار، ولكن من أكثرها شهرة هي قصيدة البردة التي ما زالت محط إلهام للشعراء، حيث يقول الإمام البوصيري في مدح النبيّ في قصيدته البردة:1
أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ
-
-
- مزجتَ دمعًا جرى من مقلةٍ بدمِ
-
أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمةٍ
-
-
- وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
-
فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا
-
-
- ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
-
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
-
-
- ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ
-
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعًا عَلَى طَلَلٍ
-
-
- ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَلمِ
-
فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ
-
-
- بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم
-
وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَةٍ وضَنًى
-
-
- مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ
-
نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني
-
-
- والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ
-
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً
-
-
- منِّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلُمِ
-
عَدَتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ
-
-
- عن الوُشاةِ ولا دائي بمنحسمِ
-
مَحَّضَتْنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ
-
-
- إنَّ المُحِبَّ عَن العُذَّالِ في صَمَمِ
-
إني اتهمتُ نصيحَ الشيبِ في عذلٍ
-
-
- والشَّيْبُ أَبْعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَم
-
فإنَّ أمَّارَتي بالسوءِ ما اتعظتْ
-
-
- من جهلها بنذيرِ الشيبِ والهرمِ
-
ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى
-
-
- ضيفٍ ألمَّ برأسي غير محتشمِ
-
لو كنت أعلم أني ما أوقره
-
-
- كتمت سرًّا بدا لي منه بالكتم
-
من لي بِرَدِّ جماحٍ من غوايتها
-
-
- كما يُرَدُّ جماحُ الخيلِ باللجمِ
-
فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها
-
-
- إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شهوةَ النهمِ
-
والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
-
-
- حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
-
فاصرفْ هواها وحاذرْ أنْ تُوَلِّيَهُ
-
-
- إنَّ الهوى ما تولَّى يُصمِ أوْ يَصمِ
-
وَراعِها وهيَ في الأعمالِ سائِمةٌ
-
-
- وإنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فلا تُسِم
-
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةٍ لِلْمَرءِ قاتِلَةً
-
-
- من حيثُ لم يدرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
-
وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِن جُوعٍ وَمِنْ شِبَع
-
-
- فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
-
واسْتَفْرِغ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأتْ
-
-
- مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
-
وخالفِ النفسَّ والشيطانَ واعصهما
-
-
- وإنْ هُما مَحَّضاكَ النُّصحَ فاتهم
-
وَلا تُطِعْ منهما خَصْمًا وَلا حَكمًَا
-
-
- فأنْتَ تَعْرِفُ كيْدَ الخَصْمِ والحَكمِ
-
أسْتَغْفِرُ الله مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
-
-
- لقد نسبتُ به نسلًا لذي عقمِ
-
أمرتكَ الخيرَ لكنْ ما ائتمرتُ بهِ
-
-
- وما استقمتُ فما قولي لك استقمِ
-
ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ المَوْتِ نافِلةً
-
-
- ولَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ ولَمْ أَصُمِ
-
ظلمتُ سُنَّةَ منْ أحيا الظلامَ إلى
-
-
- أنِ اشْتَكَتْ قَدَماهُ الضُّرَّ مِنْ وَرَم
-
وشدَّ مِنْ سَغَبٍ أحشاءهُ وَطَوَى
-
-
- تحتَ الحجارةِ كشحًا مترفَ الأدمِ
-
وراودتهُ الجبالُ الُشُّمُّ من ذهبٍ
-
-
- عن نفسهِ فأراها أيما شممِ
-
وأكَّدَتْ زُهْدَهُ فيها ضرورتهُ
-
-
- إنَّ الضرورةَ لا تعدو على العصمِ
-
وَكَيفَ تَدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورَةُ مَنْ
-
-
- لولاهُ لم تخرجِ الدنيا من العدمِ
-
محمدٌ سيدُّ الكونينِ والثَّقَلَيْنِ
-
-
- والفريقينِ من عُربٍ ومن عجمِ
-
نبينَّا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
-
-
- أبَرَّ في قَوْلِ «لا» مِنْهُ وَلا «نَعَمِ»
-
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
-
-
- لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
-
دعا إلى اللهِ فالمستمسكونَ بهِ
-
-
- مستمسكونَ بحبلٍ غيرِ منفصمِ
-
فاقَ النبيينَ في خلْقٍ وفي خُلُقٍ
-
-
- ولمْ يدانوهُ في علمٍ ولا كَرَمِ
-
وكلهمْ من رسول اللهِ ملتمسٌ
-
-
- غَرْفًا مِنَ البَحْرِ أوْ رَشْفًا مِنَ الدِّيَمِ
-
وواقفونَ لديهِ عندَ حَدِّهمِ
-
-
- من نقطةِ العلمِ أومنْ شكلةِ الحكمِ
-
فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه
-
-
- ثمَّ اصطفاهُ حبيبًا بارئ النَّسمِ
-
مُنَّزَّهٌ عن شريكٍ في محاسنهِ
-
-
- فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيهِ غيرُ مُنْقَسِمَ
-
دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ
-
-
- وَاحكُمْ بما شِئْتَ مَدْحًا فيهِ واحْتَكِمِ
-
وانْسُبْ إلى ذاتِهِ ما شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ
-
-
- وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
-
فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ
-
-
- حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَمِ
-
لو ناسبتْ قدرهُ آياتهُ عظمًا
-
-
- أحيا اسمهُ حينَ يُدعى دارسَ الرِّممِ
-
لَمْ يَمْتَحِنَّا بما تعْمل العُقولُ بِهِ
-
-
- حِرْصًا علينا فلمْ ولَمْ نَهَمِ
-
أعيا الورى فهمُ معانهُ فليس يُرى
-
-
- في القُرْبِ والبعدِ فيهِ غير منفحِمِ
-
كالشمسِ تظهرُ للعينينِ من بُعُدٍ
-
-
- صَغِيرَةٍ وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أممٍ
-
وكيفَ يُدْرِكُ في الدُّنْيَا حَقِيقَتَهُ
-
-
- قومٌ نيامٌ تسلَّوا عنهُ بالحُلُمِ
-
فمبلغُ العلمِ فيهِ أنهُ بشرٌ
-
-
- وأنهُ خيرُ خلقِ اللهِ كلهمِ
-
وَكلُّ آيٍ أَتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها
-
-
- فإنما اتَّصلتْ من نورهِ بهمِ
-
فإنهُ شمسٌ فضلٍ همْ كواكبها
-
-
- يُظْهِرْنَ أَنْوارَها للناسِ في الظُلَم
-
أكرمْ بخلقِ نبيٍّ زانهُ خُلُقٌ
-
-
- بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بالبِشْرِ مُتَّسِمِ
-
كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبَدْرِ في شَرَفٍ
-
-
- والبَحْر في كَرَمٍ والدهْرِ في هِمَمِ
-
كأنهُ وهو فردٌ من جلالتهِ
-
-
- في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقاهُ وفي حَشَمِ
-
كَأَنَّما اللُّؤْلُؤُ المَكْنونُ في صَدَفِ
-
-
- من معدني منطقٍ منهُ ومبتسمِ
-
لا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْبًا ضَمَّ أَعْظُمَهُ
-
-
- طُوبَى لِمُنْتَشِقٍ منهُ ومُلْتَئِم
-
أبان مولدهُ عن طيبِ عُنصرهِ
-
-
- يا طِيبَ مُبْتَدَأٍ منه ومُخْتَتَمِ
-
يومٌ تفرَّسَ فيهِ الفرسُ أنهمُ
-
-
- قد أنذروا بحلولِ البؤسِ والنقمِ
-
وباتَ إيوانُ كسرى وهو منصدعٌ
-
-
- كشملِ أصحابِ كسرى غيرَ ملتئمِ
-
والنَّارُ خامِدَةُ الأنفاس مِنْ أَسَفٍ
-
-
- عليه والنَّهرُ ساهي العين من سدمِ
-
وساء ساوة أن غاضتْ بحيرتها
-
-
- ورُدَّ واردها بالغيظِ حين ظمي
-
كأنَّ بالنارِ ما بالماء من بللٍ
-
-
- حُزْنًا وبالماءِ ما بالنَّارِ من ضرمِ
-
والجنُّ تهتفُ والأنوار ساطعةٌ
-
-
- والحَقُّ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنًى ومِنْ كَلِم
-
عَموُا وصمُّوا فإعلانُ البشائرِ لمْ
-
-
- تُسْمَعْ وَبارِقَةُ الإِنْذارِ لَمْ تُشَم
-
مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ
-
-
- بأَنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُمِ
-
وبعدَ ما عاينوا في الأفقِ من شُهُبٍ
-
-
- منقضةٍ وفقَ ما في الأرضِ من صنمِ
-
حتى غدا عن طريقِ الوحيِ مُنهزمٌ
-
-
- من الشياطينِ يقفو إثرَ منهزمِ
-
كأَنُهُمْ هَرَبًا أبطالُ أَبْرَهَةٍ
-
-
- أوْ عَسْكَرٌ بالحَصَى مِنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي
-
نَبْذًا بهِ بَعْدَ تَسْبِيحِ بِبَطْنِهما
-
-
- نَبْذَ المُسَبِّحِ مِنْ أحشاءِ مُلْتَقِمِ
-
جاءتْ لدَعْوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَةً
-
-
- تَمْشِي إليهِ عَلَى ساقٍ بِلا قَدَمِ
-
كأنَّما سَطَرَتْ سَطْرًا لِمَا كَتَبَتْ
-
-
- فروعها من بديعِ الخطِّ في اللقمِ
-
مثلَ الغمامةِ أنىَ سارَ سائرةٌ
-
-
- تقيهِ حرَّ وطيسٍ للهجيرِ حمي
-
أقسمتُ بالقمرِ المنشقِّ إنَّ لهُ
-
-
- مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةً مَبْرُورَةَ القَسَمِ
-
ومَا حَوَى الغارُ مِنْ خَيْرٍ ومَنْ كَرَم
-
-
- وكلُّ طرفٍ من الكفارِ عنه عمي
-
فالصدقُ في الغارِ والصديقُ لم يرِما
-
-
- وَهُمْ يقولونَ ما بالغارِ مِنْ أَرمِ
-
ظَنُّوا الحَمامَ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على
-
-
- خيْرِ البَرِيَّةِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُم
-
وقايةُ اللهِ أغنتْ عن مضاعفةٍ
-
-
- من الدروعِ وعن عالٍ من الأطمِ
-
ما سامني الدهرُ ضيمًا واستجرتُ بهِ
-
-
- إلاَّ استلمتُ الندى من خيرِ مُستلمِ
-
لا تنكرُ الوحيَ من رؤياهُ إنَّ لهُ
-
-
- قَلْبًا إذا نامَتِ العَيْنانِ لَمْ يَنمِ
-
وذاكَ حينَ بُلوغٍ مِنْ نُبُوَّتِهِ
-
-
- فليسَ يُنْكَرُ فيهِ حالُ مُحْتَلِمِ
-
تَبَارَكَ الله ما وحْيٌ بمُكْتَسَبٍ
-
-
- وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ
-
كَمْ أبْرَأَتْ وَصِبًا باللَّمْسِ راحَتهُ
-
-
- وأَطْلَقَتْ أرِبًا مِنْ رِبْقَةِ اللَّمَمِ
-
وأحْيَتِ السنَةَ الشَّهْبَاءَ دَعْوَتُهُ
-
-
- حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعْصُرِ الدُّهُمِ
-
بعارضٍ جادَ أو خلتَ البطاحَ بها
-
-
- سيبٌ من اليَمِّ أو سيلٌ من العرمِ
-
دعني ووصفي آياتٍ له ظهرتْ
-
-
- ظهورَ نارِ القرى ليلًا على علمِ
-
فالدرُّ يزدادُ حُسنًا وهو منتظمٌ
-
-
- وليسَ ينقصُ قدرًا غير منتظمِ
-
فما تَطاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى
-
-
- ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأَخْلاَقِ والشِّيَمِ
-
آياتُ حقٍّ من الرحمنِ محدثةٌ
-
-
- قَدِيمَةٌ صِفَةُ المَوْصوفِ بالقِدَم
-
لم تقترنْ بزمانٍ وهي تخبرنا
-
-
- عَن المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ
-
دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ
-
-
- مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءتْ ولَمْ تَدُمِ
-
مُحَكَّماتٌ فما تبقينَ من شبهٍ
-
-
- لذي شقاقٍ وما تبغينَ من حكمِ
-
ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّ عادَ مِنْ حَرَبٍ
-
-
- أَعْدَى الأعادي إليها مُلقِيَ السَّلَمِ
-
رَدَّتْ بلاغَتُها دَعْوى مُعارِضِها
-
-
- ردَّ الغيور يدَ الجاني عن الحُرمِ
-
لها معانٍ كموجِ البحرِ في مددٍ
-
-
- وفوقَ جوهَرِهِ في الحُسنِ والقيَمِ
-
فما تُعَدُّ وَلا تُحْصَى عَجَائبُها
-
-
- ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ
-
قرَّتْ بها عينُ قاريها فقلت له
-
-
- لقد ظفِرتَ بِحَبْلِ الله فاعْتَصِمِ
-
إنْ تَتْلُها خِيفَةً مِنْ حَرِّ نارِ لَظَى
-
-
- أطْفَأْتَ نارَ لَظَى مِنْ وِرْدِها الشَّبمِ
-
كأنها الحوضُ تبيضُّ الوجوه به
-
-
- مِنَ العُصاةِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ
-
وَكالصِّراطِ وكالمِيزانِ مَعدِلَةً
-
-
- فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناس لَمْ يَقُمِ
-
لا تعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُها
-
-
- تَجاهُلًا وهْوَ عَينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
-
قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ
-
-
- ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماء منْ سَقَمِ
-
يا خيرَ من يَمَّمَ العافونَ ساحتَهُ
-
-
- سَعْيًا وفَوْقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
-
وَمَنْ هُو الآيَةُ الكُبْرَى لِمُعْتَبِرٍ
-
-
- وَمَنْ هُوَ النِّعْمَةُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ
-
سريتَ من حرمٍ ليلًا إلى حرمِ
-
-
- كما سرى البدرُ في داجٍ من الظُّلَمِ
-
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً
-
-
- من قابِ قوسينِ لم تدركْ ولم ترمِ
-
وقدَّمتكَ جميعُ الأنبياءِ بها
-
-
- والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَم
-
وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ
-
-
- في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَمِ
-
حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْوًا لمُسْتَبِقٍ
-
-
- من الدنوِّ ولا مرقًى لمستنمِ
-
خفضتَ كلَّ مقامٍ بالإضافة إذ
-
-
- نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَم
-
كيما تفوزَ بوصلٍ أيِّ مستترٍ
-
-
- عن العيونِ وسرٍّ أيِ مُكتتمِ
-
فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشْتَرَكٍ
-
-
- وجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ
-
وَجَلَّ مِقْدارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ
-
-
- وعزَّ إدْراكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ
-
بُشْرَى لَنا مَعْشَرَ الإسلامِ إنَّ لنا
-
-
- من العنايةِ رُكنًا غيرَ منهدمِ
-
لمَّا دعا الله داعينا لطاعتهِ
-
-
- بأكرمِ الرُّسلِ كنَّا أكرمَ الأممِ
-
راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتهِ
-
-
- كَنَبْأَةٍ أَجْفَلَتْ غَفْلًا مِنَ الغَنَمِ
-
ما زالَ يلقاهمُ في كلِّ معتركٍ
-
-
- حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْمًا على وضَم
-
ودوا الفرار فكادوا يغبطونَ بهِ
-
-
- أشلاءَ شالتْ مع العقبانِ والرَّخمِ
-
تمضي الليالي ولا يدرونَ عدتها
-
-
- ما لَمْ تَكُنْ مِنْ ليالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ
-
كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ
-
-
- بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لحْمِ العِدا قَرِم
-
يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَةٍ
-
-
- يرمي بموجٍ من الأبطالِ ملتطمِ
-
من كلِّ منتدبٍ لله محتسبٍ
-
-
- يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصطَلِم
-
حتَّى غَدَتْ مِلَّةُ الإسلام وهْيَ بِهِمْ
-
-
- مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَةَ الرَّحِم
-
مكفولةً أبدًا منهم بخيرٍ أبٍ
-
-
- وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
-
هُم الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ
-
-
- ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَم
-
وسل حُنينًا وسل بدرًا وسلْ أُحُدًا
-
-
- فُصُولَ حَتْفٍ لهُمْ أدْهَى مِنَ الوَخَم
-
المصدري البيضَ حُمرًا بعدَ ما وردت
-
-
- من العدا كلَّ مُسْوَّدٍ من اللممِ
-
وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ
-
-
- أقلامهمْ حرفَ جسمٍ غبرَ منعجمِ
-
شاكي السِّلاحِ لهم سيما تميزهمْ
-
-
- والوردُ يمتازُ بالسيما عن السلمِ
-
تُهدى إليكَ رياحُ النصرِ نشرهمُ
-
-
- فتحسبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كلَّ كمي
-
كأنهمْ في ظهورِ الخيلِ نبتُ رُبًا
-
-
- مِنْ شِدَّةِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّةِ الحُزُم
-
طارت قلوبُ العدا من بأسهمِ فرقًا
-
-
- فما تُفَرِّقُ بين البَهم والبُهُمِ
-
ومن تكنْ برسول الله نصرتُه
-
-
- إن تلقهُ الأُسدُ في آجامها تجمِ
-
ولن ترى من وليٍّ غير منتصرِ
-
-
- بهِ ولا مِنْ عَدُوّ غَيْرَ مُنْقصمِ
-
أحلَّ أمَّتَهُ في حرزِ ملَّتهِ
-
-
- كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبال في أجَم
-
كمْ جدَّلَتْ كلماتُ اللهِ من جدلٍ
-
-
- فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ
-
كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَةً
-
-
- في الجاهليةِ والتأديبِ في اليتمِ
-
خدمته بمديح أستقيل به
-
-
- ذنوب عمر مضى في الشّعر والخدم
-
إذ قلّداني ما تخشى عواقبه
-
-
- كأنّني بهما هدي من النّعم
-
أطعت غيّ الصّبا في الحالتين وما
-
-
- حصلت إلّا على الاثام والنّدم
-
فيا خسارة نفس في تجارتها
-
-
- لم تشتر الدّين بالدّنيا ولم تسم
-
ومن يبع اجلا منه بعاجله
-
-
- يبن له الغبن في بيع وفي سلم
-
إن ات ذنبا فما عهدي بمنتقض
-
-
- من النبيّ ولا حبلي بمنصرم
-
فإنّ لي ذمّة منه بتسميتي
-
-
- محمّدا وهو أوفى الخلق بالذّمم
-
إن لم يكن في معادي اخذا بيدي
-
-
- فضلا، وإلّا فقل يا زلّة القدم
-
حاشاه أن يحرم الرّاجي مكارمه
-
-
- أو يرجع الجار منه غير محترم
-
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه
-
-
- وجدته لخلاصي خير ملتزم
-
ولن يفوت الغنى منه يدا تربت
-
-
- إنّ الحيا ينبت الأزهار في الأكم
-
ولم أرد زهرة الدّنيا التي اقتطفت
-
-
- يدا زهير بما أثنى على هرم
-
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
-
-
- سواك عند حلول الحادث العمم
-
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
-
-
- إذا الكريم تحلّى باسم منتقم
-
فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها
-
-
- ومن علومك علم اللّوح والقلم
-
يا نفس لا تقنطي من زلّة عظمت
-
-
- إنّ الكبائر في الغفران كاللّمم
-
لعلّ رحمة ربّي حين يقسمها
-
-
- تأتي على حسب العصيان في القسم
-
يا ربّ واجعل رجائي غير منعكس
-
-
- لديك، واجعل حسابي غير منخرم
-
والطف بعبدك في الدّارين إنّ له
-
-
- صبرا، متى تدعه الأهوال ينهزم
-
وأذن لسحب صلاة منك دائمة
-
-
- على النّبيّ بمنهلّ ومنسجم
-
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا
-
-
- وأطرب العيس حادي العيس بالنّغم
-
المراجع
- محمد يحيى حلو، البردة شرحا وإعرابا وبلاغة لطلاب المعاهد والجامعات، صفحة 222-239.