فهم مفهوم النص في العقيدة الإسلامية

فراس الأحمد
5 دقيقة للقراءة

النص عند الأُصوليين

ذكر الأصوليُّون تعريف النص في كتبهم، وانقسموا في تعريفه إلى فريقين، الفريق الأول الجمهور، والفريق الثاني الأحناف، وتعريف النص عند كل منهم كالآتي:

تعريف النص وأمثلته عند جمهور الأُصوليين

النص في اللغة هو الكشف والظهور والرفع، وعند جمهور الأُصوليين هو ما دل على معناه دلالة واضحة، وهذه الدلالة لا تحتمل غير هذا المعنى؛ وبمعنى آخر: من سمات النص أنه لا يقبل التأويل ولا يحمل وجهاً آخر، والنص لا يكون إلا في الأدلة النقلية من القرآن والسنة النبوية، وعندهم يقابله الظاهر والمجمل.1

ومن الأمثلة على النص عند الأصوليين ما يأتي:

  • قال الله -عز وجل-: (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)،2والنص هنا في هذه الآية الكريمة هو ثمانون؛ لأن الثمانين عدد لا يحتمل غيره.1
  • قال الله -عز وجل-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).3

تعريف النص وأمثلته عند الحنفية

النص عند الحنفية: هو ما ازداد وضوحاً على الظاهر بمعنى في المتكلم؛ لا في نفس الصيغة وقد سيق الكلام لأجله، ويحتمل التأويل.4ومن الأمثلة على النص عند الحنفية ما يأتي:

  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضَّأنا به عطشنا، أفنتوضَّأ من ماء البحر؟، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).5

والنَّص هنا سيق للدلالة على أن ماء البحر يجوز الوضوء به، وذلك عرف من معنى النَّص، فالمقصود من السياق هو أن ماء البحر طاهر مطهر.4

  • قال الله -عز وجل-: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)،6 فهنا الآية الكريمة تنصُّ على جواز نكاح الأربع فما دون.7

خصائص النص عند الأصوليين

يمتاز النَّصُّ بخصائص ذكرها الأُصوليُّون في كتبهم، ومن هذه الخصائص ما يأتي:8

  • النَّصُّ يقبل النسخ

النَّسخ هو رفع حكم شرعي متَّقدم بدليل شرعي متأَّخر، والنَّسخ لا يكون إلا في الأحكام الفقهية العملية؛ فلا يكون بالأخبار الغيبية، ولا يكون في العقائد؛ لأنها تحتمل التصديق والتكذِّيب.9

وهنا عندما نقول إن النَّصَّ يقبل النَّسخ؛ يعني ذلك أن يكون مشروعاً ثم يُعطل حكمه من قبل الشارع -عز وجل-، والنسخ يكون في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن النَّصَّ لا يقبل النسخ.9

  • النص يقبل التخصيص

التخصيص: هو إخراج بعض أفراد العام بدليل شرعي؛10 فالنص يحتمل التخصيص، وهذا إذا كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم؛ فإن النص لا يقبل التخصيص.

  • النص لا يقبل التأويل

التأويل: هو صرف ظاهر اللفظ إلى معنى آخر يحتمله بقرينة،11 فالنص لا يحتمل التأويل؛ لأنَّ النص يدل على معناه دلالة قطعية ليس فيها احتمال.

المراجع

  1. ^ أ ب عياض السلمي (1426)، أصُولُ الِفقهِ الذي لا يَسَعُ الفَقِيهِ جَهلَهُ (الطبعة 1)، الرياض _ المملكة العربية السعودية:دار التدمرية، صفحة 390، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة النور، آية:4
  3. سورة النور، آية:2
  4. ^ أ ب عبد الله العنزي (1418)، تيسير علم أصول الفقه (الطبعة 1)، بيروت _ لبنان:مؤسسة الريان للطباعة والنشر، صفحة 295، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه محمد بن ماجة، في سنن ابن ماجة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:386، حديث صحيح.
  6. سورة النساء، آية:3
  7. عياض السلمي (1426)، أصُولُ الِفقهِ الذي لا يَسَعُ الفَقِيهِ جَهلَهُ (الطبعة 1)، الرياض _ المملكة العربية السعودية:دار التدمرية، صفحة 402، جزء 1. بتصرّف.
  8. عياض السلمي (1426)، أصُولُ الِفقهِ الذي لا يَسَعُ الفَقِيهِ جَهلَهُ (الطبعة 1)، الرياض _ المملكة العربية السعودية:دار التدمرية، صفحة 402، جزء 1. بتصرّف.
  9. ^ أ ب محمد رواس قلعجي حامد صادق قنيبي (1408)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة 2)، صفحة 112، جزء 1. بتصرّف.
  10. عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه (الطبعة 8)، صفحة 181، جزء 1. بتصرّف.
  11. عبد الله العنزي (1418)، تيسير علم أصول الفقه (الطبعة 1)، بيروت _ لبنان:مؤسسة الريان للطباعة والنشر، صفحة 296، جزء 1. بتصرّف.
شارك في هذا المقال
صورة شخصية الكاتب فراس الأحمد - متخصص في تاريخ الفكر الإسلامي
بواسطة فراس الأحمد
أنا فراس الأحمد، كاتب وباحث شغوف بدراسة الإسلام وتاريخه العريق. حصلت على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة الأزهر، حيث ركزت على تاريخ الفكر الإسلامي وتأثيره على الحضارات. لدي خبرة تمتد لأكثر من عشر سنوات في الكتابة والبحث، حيث نشرت العديد من المقالات والكتب التي تناقش القضايا المعاصرة من منظور إسلامي. شغفي يكمن في توضيح الجوانب التاريخية والفكرية للإسلام، وأسعى دائمًا لتقديم محتوى يجمع بين الأصالة والمعاصرة. أهدف من خلال كتاباتي إلى بناء جسور من التفاهم بين الثقافات المختلفة، وإبراز جمال وقيم الإسلام في حياتنا اليومية.
Leave a Comment