تحليل قصيدة دنشواي لأحمد شوقي: دراسة نقدية في الأدب – تفسير شعري باستخدام السيو

شيماء الصاعدي
5 دقيقة للقراءة

التحليل الموضوعي لقصيدة دنشواي لأحمد شوقي

قال أحمد شوقي:1

  • يا دِنشِوايَ عَلى رُباكِ سَلامُ
ذَهَبَت بِأُنسِ رُبوعِكِ الأَيّامُ

شُهَداءُ حُكمِكِ في البِلادِ تَفَرَّقوا

هَيهاتَ لِلشَملِ الشَتيتِ نِظامُ

مَرَّت عَلَيهِم في اللُحودِ أَهِلَّةٌ

وَمَضى عَلَيهِم في القُيودِ العامُ

كَيفَ الأَرامِلُ فيكِ بَعدَ رِجالِها

وَبِأَيِّ حالٍ أَصبَحَ الأَيتامُ

يبدأ الشاعر أحمد شوقي حديثه في قصيدته برثاء دنشواي تلك المنطقة الريفية في مصر التي حدث صدام بين بعض الضباط الإنجليزيين وبعض الفلاحين المصريين، ممّا أدى إلى مقتل عدد من المصريين من بينهم امرأة، فيأتي شوقي على ذكر الأيتام والأرامل الذين تُركوا بعد تلك الحادثة، ويسأل عن أحوالهم وكيف آلت الحياة بهم بعد كل ذلك الألم.

  • عِشرونَ بَيتاً أَقفَرَت وَاِنتابَها
بَعدَ البَشاشَةِ وَحشَةٌ وَظَلامُ

يا لَيتَ شِعري في البُروجِ حَمائِمٌ

أَم في البُروجِ مَنِيَّةٌ وَحِمامُ

نَيرونُ لَو أَدرَكتَ عَهدَ كَرومِرٍ

لَعَرَفتَ كَيفَ تُنَفَّذُ الأَحكامُ

نوحي حَمائِمَ دِنشِوايَ وَرَوِّعي

شَعباً بِوادي النيلِ لَيسَ يَنامُ

يبكي شوقي في كلماته على أولئك الرجال الذين أقفرت الديار من بعدهم، فصارت سوداء قاتمةً ذات وحشة بعد أن كانت ضاحكةً مبتسمةً، وكأنّ العهد في دنشواي وقتها والحكم كان أقسى من حكم الامبراطور نيرون، وكأنّ الحمام يزف دموعه ويبكي على دنشواي إثر الحوادث التي أُصيبت بها.

  • إِن نامَتِ الأَحياءُ حالَت بَينَهُ
سَحراً وَبَينَ فِراشِهِ الأَحلامُ

مُتَوَجِّعٌ يَتَمَثَّلُ اليَومَ الَّذي

ضَجَّت لِشِدَّةِ هَولِهِ الأَقدامُ

السوطُ يَعمَلُ وَالمَشانِقُ أَربَعٌ

مُتَوَحِّداتٌ وَالجُنودُ قِيامُ

وَالمُستَشارُ إِلى الفَظائِعِ ناظِرٌ

تَدمى جُلودٌ حَولَهُ وَعِظامُ

في كُلِّ ناحِيَةٍ وَكُلِّ مَحَلَّةٍ

حَزعاً مِنَ المَلَأِ الأَسيَفِ زِحامُ

وَعَلى وُجوهِ الثاكِلينَ كَآبَةٌ

وَعَلى وُجوهِ الثاكِلاتِ رُغامُ

يُصور أحمد شوقي في قصيدته تلك الآلام ويوم الإعدام الذي لحق بالمصريين جراء تصادمهم مع المُحتل، فكل شيء ساكن وصامت ويدعو إلى الموت من دون رأفة ولا رحمة، وحتى المُستشار لا يُحرك ساكنًا بل هو يقف ليُشرف على عملية الموت تلك والأنام كلهم خائفون من هول تلك المأساة التي ستلحق بهم.

التحليل الفني لقصيدة دنشواي لأحمد شوقي

أحمد شوقي الذي لُقب بأمير الشعراء هو سيد من ركب صهوة قلمه في تلك الفترة وسيد من صور وأجاد في فنون الشعر والأدب، فاستعمل مجموعةً من الصور الفنية في قصيدته وكثيرًا من المحسنات البديعية التي ساهمت في إبراز المعاني التي يُريدها الشاعر، ومن بين ذلك قوله ما يأتي:1

  • يا دِنشِوايَ عَلى رُباكِ سَلامُ

استعارة مكنية، حيث شبه دنشواي بالإنسان الذي يُمكن أن يُحادث ويرد على الكلام، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.

  • ذَهَبَت بِأُنسِ رُبوعِكِ الأَيّامُ

استعارة مكنية، شبه الأيام بالإنسان الذي يُذهب بشيء أو يأتي به، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.

  • عِشرونَ بَيتاً أَقفَرَت وَاِنتابَها
بَعدَ البَشاشَةِ وَحشَةٌ وَظَلامُ

استعارة مكنية، حيث شبه البيوت بالإنسان الذي تنتابه الابتسامة أو ينتابه الهلع، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.

  • نوحي حَمائِمَ دِنشِوايَ وَرَوِّعي
شَعباً بِوادي النيلِ لَيسَ يَنامُ

استعارة مكنية، حيث شبه الحمائم بالإنسان الذي ينوح ويبكي بعد أن يموت الشخص الذي يُحب، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.

كما أنّ الشاعر استعمل السجع في قصيدته في قوله في البيت الأول:1

يا دِنشِوايَ عَلى رُباكِ سَلامُ

ذَهَبَت بِأُنسِ رُبوعِكِ الأَيّامُ

التحليل الإيقاعي لقصيدة دنشواي لأحمد شوقي

نُظمت قصيدة دنشواي على البحر الكامل الذي تفعيلته: “متفاعلن متفاعلن متفاعلن”، ويُعد هذا البحر من البحور المناسبة لمثل غرض القصيدة الذي أراده شوقي وهو البكاء والنوح، إذ تكرار الحركات والسكنات في كل تفعيلة من التفعيلات يُساهم في الغرض الموسيقي الحزين المطلوب.2

كما كرر الشاعر من حرف السين وهو حرف همسي لثوي في أكثر من كلمة مثل: “سلام، أنس”؛ لأنّ في ذلك الصوت متنفساً للحزن الذي يعتري نفس الشاعر.2

إنّ حرف الميم هو الحرف المهيمن على القصيدة، حيث اتخذه الشاعر قافيةً له وكرره في ثنايا الكلمات، حيث استطاع من خلال تكرار ذلك الحرف أن يشد انتباه المتلقي، كما أنّ حرف الميم فيه تعبير عن الألم والحزن الذي يعتصر نفس الشاعر إثر تلك الحادثة الأليمة.2

المراجع

  1. ^ أ ب ت “يا دنشواي على رباك سلام”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022.
  2. ^ أ ب ت “يا دنشواي على رباك سلام”، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2022. بتصرّف.
شارك في هذا المقال
أنا شيماء الصاعدي، كاتبة شغوفة بمجال الآداب، حيث أجد في الكلمات وسيلة للتعبير عن أعمق المشاعر والأفكار. حصلت على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة القاهرة، ومنذ ذلك الحين كرست حياتي لدراسة وكتابة النصوص الأدبية التي تحاكي الروح الإنسانية. لدي خبرة تمتد لأكثر من خمس سنوات في كتابة المقالات النقدية والقصص القصيرة التي تنشر في مجلات أدبية مرموقة. أسعى دائمًا لاستكشاف الأبعاد الثقافية والتاريخية في الأدب، وأؤمن بأن الكتابة هي جسر يربط بين الحضارات والأجيال. شغفي يكمن في صياغة النصوص التي تترك أثرًا في قلوب القراء وتدفعهم للتفكير والتأمل.
Leave a Comment