دراسة: الرثاء في شعر ابن خفاجة وتأثيره في الأدب العربي

MohamedTair
5 دقيقة للقراءة

قصيدة: رفعت عليك عويلها الأمجاد

رَفَعَت عَلَيكَ عَويلَها الأَمجادُ

وَجَفَت كَريمَ جَنابِكَ العُوّادُ

وَتَكَنَّفَت شَكواكَ عَن خَطبٍ دَهى

هَدَّت لَهُ أَركانَها الأَطوادُ

سَلَّت عَتادَ الصَبرِ فيهِ صَبابَةً

ما لي بِها غَيرَ الدُموعِ عَتادُ

لِلَّهِ أَيُّ خَليلِ صِدقٍ مُخلِصٍ

:::أَهوى بِهِ رُكنٌ وَمالَ عِمادُ

خَطَمَ القَضاءُ بِهِ قَريعاً مُصعَباً

فَاِنقادَ يَصحَبُ وَالحِمامُ قِيادُ

طَلقَ الحَياةِ إِلى الرَدى

فَحَوى بِهِ قَصَبَ السِباقِ جَوادُ

كُنّا اِصطَحَبنا وَالتَشاكُلُ نِسبَةٌ

حَتّى كَأَنّا عاتِقٌ وَنِجادُ

ثُمَّ اِفتَرَقنا لا لِعَودَةِ صُحبَةٍ

حَتّى كَأَنّا شُعلَةٌ وَزِنادُ

يا أَيُّها النائي وَلَستَ بِمُسمِعٍ

سَكنَ القُبورُ وَبَينَنا أَسدادُ

ما تَفعَلُ النَفسُ النَفيسَةُ عِندَما

تَتهاجَرُ الأَرواحُ وَالأَجسادُ

كُشِفَ الغِطاءُ إِلَيكَ عَن سِرِّ الرَدى

فَأَجِب بِما تَندى بِهِ الأَكبادُ

فَوَراءَ سِترِ اللَيلِ مُضطَرِمُ الحَشا

لا يَستَقِرُّ بِهِ هُناكَ مِهادُ

لَم يَدرِ إِلّا يَومَ مَوتِكَ ما الأَسى

فَكَأَنَّ مَوتَكَ لِلأَسى ميلادُ

وَكفاهُ مَجداً أَن يَقولَ وَلِلدُجى

فَجرٌ لَهُ مِن دَمعِهِ أَمدادُ

حَتّامَ أَندُبُ صاحِباً وَشَبيبَةً

فَتَفيضُ عَينٌ أَو يَحِنُّ فُؤادُ

أَقصِر فَلا ذاكَ الخَليلُ بَآيِبٍ

يَوماً وَلا ذاكَ الشَبابُ يُعادُ

فَقُصارُ مُجتَمِعُ الأَصاحِبِ فِرقَةٌ

وَمَحارُ أَنوارِ الشَبابِ رَمادُ

فيمَ السُلُوُّ وَقَد تَحَمَّلَ صاحِبٌ

شَطَّت بِهِ دارٌ وَطالَ بُعادُ

أَتبَعتُهُ قَلباً لَهُ مِن لَوعَةٍ

زادٌ وَمِن عَينٍ تَفيضُ مَزادُ

فَذَّ تَبَسَّمَ عَنهُ صَدرُ المُنتَدى

طَرَباً بِهِ وَاِهتَزَّتِ الأَندادُ

وَأَخٌ لِوُدٍّ لا أَخٌ لِوِلادَةٍ

وَأَمَسُّ مِن نَسَبِ الوِلادِ وِدادُ

مَلَكَتهُ غَشيَةُ نَومَةٍ لا تَنجَلي

وَلِكُلُّ عَينٍ نَومَةٌ وَسُهادُ

وَدَّعتُهُ تَوديعَ مُكتَئِبٍ وَلا

غَيرَ المَعادِ لِلُقيَةٍ ميعادُ

وَنَفَضتُ مِنهُ يَدي بِعِلقِ مَضَنَّةٍ

فُتَّت بِهِ الأَكبادُ وَالأَعضادُ

وَتَرَكتُهُ وَالمَجدُ يُرغِمُ أَنفَهُ

مُتَوَسِّداً حَيثُ التُرابُ وِسادُ

في مَوطِنٍ نَزَلتَهُ جُرهُمُ قَبلَهُ

وَتَحَوَّلَت إِرمٌ إِلَيهِ وَعادُ

أُمَمٌ يَغُصُّ بِها الفَضاءُ طَوَتهُمُ

كَفُّ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَبادوا

سادوا وَقادوا ثُمَّ أَجلى جَمعُهُم

عَن وَحدَةٍ فَكَأَنَّهُم ما قالوا

عَفَتِ البُناةُ عَلى اللَيالي وَالبُنى

وَتَلاحَقَ الأَمجادُ وَالأَوغادُ

وَلَرُبَّما ذَبّوا وَذادوا عَن حِمى

مَلِكٍ هَوى فَكَأَنّهُم أرادوا

فَأَصِخ طَويلاً هَل تَعي مِن مَنطِقٍ

وَاِنظُر مَلِيّاً هَل تَرى ما شادوا

زُمَرٌ يُعَدُّ بِها الحَصى مِن كَثرَةٍ

وَلَرُبَّما فَنِيَت بِها الأَعدادُ

أَلوى بِهِم وَلِكُلِّ رَكبٍ سائِقٌ

زَمَنٌ حَدا بِرِكابِهِم يَقتادُ

وَرَمى رَبيعَةَ بِالخُمولُ وَإِنَّما

كانوا بِعَبدِ اللَهِ فيهِم سادوا

بِأَغَرَّ وَضّاحِ الجَبينِ كَأَنَّهُ

تَحتَ الدُجُنَّةِ كَوكَبٌ وَقّادُ

مُتَبَسِّمٌ في هِزَّةٍ فَكَأَنَّهُ

غُصنٌ تَفَتَّقَ نَورُهُ مَيّادُ

وَطِئَ السِماكَ بِهِ التَواضُعُ رِفعَةً

فَكَأَنَّما اِتِّهامُهُ إِنجادُ

أَلقى الحِمامُ بِرَحلِهِ في مَنزِلٍ

نَزَلَت بِهِ الآباءُ وَالأَجدادُ.1

قصيدة: ألا ساجل دموعي يا غمام

أَلا ساجِل دُموعي يا غَمامُ

وَطارِحني بِشَجوِكَ يا حَمامُ

فَقَد وَفَّيتُها سِتّينَ حَولاً

وَنادَتني وَرائي هَل أَمامُ

وَكُنتُ وَمِن لُباناتي لُبَيني

هُناكَ وَمِن مَراضِعِيَ المُدامُ

يُطالِعُنا الصَباحُ بِبَطنِ حَزوى

فَيُنكِرُنا وَيَعرِفُنا الظَلامُ

وَكانَ بِها البَشامُ مَراحَ أُنسٍ

فَماذا بَعدَنا فَعَلَ البَشامُ

فَيا شَرخَ الشَبابِ أَلا لِقاءٌ

:::يُبَلُّ بِهِ عَلى يَأسٍ أُوامُ

وَيا ظِلَّ الشَبابِ وَكُنتَ تَندى

عَلى أَفياءِ سَرحَتِكَ السَلامُ. 2

قصيدة: في كل ناد منك روض ثناء

في كُلِّ نادٍ مِنكَ رَوضُ ثَناءِ

وَبِكُلِّ خَدٍّ فيكَ جَدوَلِ ماءِ

وَلِكُلِّ شَخصٍ هِزَّةُ الغُصنِ النَدي

غِبَّ البُكاءِ وَرِنَّةُ المُكاءِ

يا مَطلَعَ الأَنوارِ إِنَّ بِمُقلَتي

أَسَفاً عَلَيكَ كَمَنشَإِ الأَنواءِ

وَكَفى أَسىً أَن لا سَفيرٌ بَينَنا

يَمشي وَأَن لا مَوعِدٌ لِلِقاءِ

فيمَ التَجَمُّلُ في زَمانٍ بَزَّني

ثَوبَ الشَبابِ وَحيلَةَ النُبَلاءِ

فَعَريتُ إِلّا مِن قِناعِ كَآبَةٍ

وَعَطِلتُ إِلّا مِن حُلِيِّ بُكاءِ

فَإِذا مَرَرتُ بِمَعهَدٍ لِشَبيبَةٍ

أَو رَسمِ دارٍ لِلصَديقِ خَلاءِ

جالَت بِطَرفي لِلصَبابَةِ عَبرَةٌ

كَالغَيمِ رَقَّ فَحالَ دونَ سَماءِ

وَرَفَعتُ كَفّي بَينَ طَرفٍ خاشِعٍ

تَندى مَآقيهِ وَبَينَ دُعاءِ

وَبَسَطتُ في الغَبراءِ خَدّي ذِلَّةً

أَستَنزِلُ الرُحمى مِنَ الخَضراءِ

مُتَمَلمِلاً أَلَماً بِمَصرَعِ سَيِّدٍ

قَد كانَ سابِقَ حَلبَةِ النُجَباءِ

لا وَالَّذي أَعلَقتُ مِن تَقديسِهِ

كَفّي بِحَبلَي عِصمَةٍ وَرَجاءِ

وَخَرَرتُ بَينَ يَدَيهِ أَعلَمُ أَنَّهُ

ذُخري لِيَومِيَ شِدَّةٍ وَرَخاءِ

لا هَزَّني أَمَلٌ وَقَد حَلَّ الرَدى

بِأَبي مُحَمَّدٍ المَحَلَّ النائي

في حَيثُ يُطفَأُ نورُ ذاكَ المُجتَلى

وَفِرِندُ تِلكَ الغُرَّةِ الغَرّاءِ

وَكَفى اِكتِئاباً أَن تَعيثَ يَدُ البِلى

في مَحوِ تِلكَ الصورَةِ الحَسناءِ

فَلَطالَما كُنّا نُريحُ بِظِلِّهِ

فَنُريحُ مِنهُ بِسَرحَةٍ غَنّاءِ

فَتَقَت عَلى حُكمِ البَشاشَةِ نورَها

وَتَنَفَّسَت في أَوجُهِ الجُلَساءِ

تَتَفَرَّجُ الغَمّاءُ عَنهُ كَأَنَّهُ

قَمَرٌ يُمَزِّقُ شَملَةَ الظَلماءِ

قاسَمتُ فيهِ الرُزءَ أَكرَمَ صاحِبٍ

فَمَضى يَنوءُ بِأَثقَلِ الأَعباءِ

يَهفو كَما هَفَتِ الأَراكَةُ لَوعَةً

وَيُرِنُّ طَوراً رِنَّةَ الوَرقاءِ

عَجَباً لَها وَقَدَت بِصَدرٍ جَمرَةً

وَتَفَجَّرَت في وَجنَةٍ عَن ماءِ

وَلَئِن تَراءى الفَرقَدانِ بِنا مَعاً

وَكَفاكَ شُهرَةَ سُؤدُدٍ وَعَلاءِ

فَلَطالَما كُنّا نَروقُ المُجتَلي

حُسناً وَنَملَأُ ناظِرَ العَلياءِ

يُزهى بِنا صَدرُ النَدِيِّ كَأَنَّنا

نَسَقاً هُناكَ قِلادَةُ الجَوزاءِ.3

المراجع

  1. “رفعت عليك عويلها الأمجاد”، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
  2. ” ألا ساجل دموعي ياغمام”، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
  3. ” في كل ناد منك روض ثناء”، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022. بتصرّف.
شارك في هذا المقال
Leave a Comment